بين الألم والشفاء
لم أكن أعلم أن الجسد قد يسكنه الألم بلا جرح، وأن النفس قد تنهار بصمت دون أن يلحظها أحد.
كانت أيامي تمضي ثقيلة، أعيش بين انفجارات من الغضب، وعزلة عن كل من أحب، وكأن هناك شيئًا غريبًا يسكنني، لا يُرى، لا يُلمس، لكنه ينهشني من الداخل.
بين الألم والشفاء
مرّت سنوات وأنا لا أعرف لنفسي راحة، ولا لقلبي طمأنينة.
أحلام مزعجة، كوابيس متكررة، وساوس لا تنتهي، وتدهور في دراستي وعلاقاتي، كل ذلك جعلني أظن أنني أفقد عقلي.
وفي وسط التيه، دلّني الله على أحد الرقاة المعروفين في قريتنا.
ذهبت إليه وكأنني أغامر بروحي. لم أكن أملك يقينًا، لكنني كنت أحتاج إلى قشة أتمسّك بها.
بدأ يقرأ عليّ آيات من سورة الصافات، وما إن نطق بها حتى شعرتُ بألم حارق في جسدي، وكأن الكلمات تخترق أعماقي.
قال لي حينها جملة لن أنساها:
“أنتِ مريضة… وهذا هو دواؤك.”
خرجت من عنده وأنا في حالة من الذهول والخوف. لأول مرة أسمع أنني مريضة “روحيًا”، لا عضويًا، وأن ما أعانيه قد يكون بسبب أذى خفي، سحر أو مس أو حسد.
بدأت رحلة العلاج… أو هكذا ظننت.
لكن الشفاء ليس سريعًا… ولا بسيطًا.
كلما ظننت أنني اقتربت من النور، وجدت نفسي في ظلام أشد.
تسرّعت في البحث عن رقاة آخرين، وجلست مع من لا يرحمون.
واحد منهم جاءني إلى البيت، مدّعيًا أنه يساعد، لكنه كان يستنزف روحي وأعصابي.
كلمات غريبة، أفعال لا تشبه القرآن ولا سنة النبي، وجلسة جعلتني أعود لنقطة الصفر.
حينها فهمت الدرس الأصعب:
الشفاء لا يأتي من الناس… الشفاء بيد الله وحده.
في لحظة صدق مع نفسي، قررت أن أتمرّد على كل ما مضى.
قطعت حبلي بمن دون الله، وبدأت أرقي نفسي وحدي، بآيات القرآن.
التزمت بسورة البقرة يوميًا، قمت الليل، بكيت في السجود، تمسكت بأذكار الصباح والمساء.
كنت أستفرغ كثيرًا، وأشعر بآلام غريبة، لكن بعدها كنت أشعر براحة عميقة.
كأن شيئًا أسود يخرج مني مع كل دعاء، وكل دمعة.
وبعد شهور من المجاهدة، لم أصل للشفاء الكامل… لكني وصلت لشيء أعظم:
السكينة.
لم أعد أنتظر أن أُشفى جسديًا فقط، بل بدأت أرى أن كل ما حدث لي كان تربية من الله، دعوة للعودة إليه، ومحبة خفية تتنكر في هيئة ابتلاء.
اليوم، أكتب لكم تجربتي لا لأحكي قصة، بل لأمدّ يدي لكل من يعاني في صمت.
لا تثقوا في كل من يدّعي أنه راقٍ أو معالج.
اعتمدوا على الله، على قرآن الله، على صدقكم في الخلوات.
وإن كنتِ ممن يعانين من ألم غريب لا يُفهم، فاعلمي أنك لستِ وحدك…
وأن وراء كل ليلٍ حالك، فجرٌ ينتظر دعاءكِ.
اقرأ أيضا: توحيد الألوهية أمانة على عاتق كل مسلم
اللهم بارك