كل مؤمن يريد أن يكون من أولياء الله الصالحين
إن ولاية الله للعبد هو غاية كل إنسان في الدنيا، فمن تولى الله أمره كفاه وأغناه عن جميع خلقه.
علاوة على أن الولاية أمر ليس من الصعب الوصول إليه، فهى أمر يكتسبه المسلم بتقواه وإيمانه وعمله الصالح، فقد قال صلى الله عليه وسلم “الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك“.
وإن الناس متفاوتون في ولايتهم، كما هم متفاوتون في إيمانهم وتقواهم وعملهم الصالح، فالولاية طبقات.
ولذا جميع المؤمنين أولياء لله، إلا أنهم مختلفين في الدرجة أو الطبقة، والأدلة على ذلك كثيرة.
وهذا ما سنتكلم عنه بالتفصيل في موضوعنا هذا.
*معنى إسم الله “الولي”
هو إسم من أسماء الله الحسنى، وله عدة معاني:
-القائم بشئون خلقه، والمتولي رعايتهم.
-المحب والناصر، يقال فلان ولي فلان أي حبيبه، والناصر هو من يتولى نصرة أولياءه ومعاداة أعداءه.
*لماذا يحتاج المؤمن إلى ولاية الله عزوجل؟
لأن هناك نقاط مهمة في خلق الإنسان.
الضعف
فقد خلق الله الإنسان ضعيفا، وهذه الصفة وإن ظهرت أنها نقطة ضعف في الإنسان إلا أنها عين القوة.
قال تعالى{وخلق الإنسان ضعيفا}
لم لا!
فالإنسان كلما كان ضعيفا، كلما انكسر وتواضع لربه، واستعان به، وهذا في الحقيقة هو عين القوة.
“فماذا فقد من وجد الله، وماذا وجد من فقد الله”
وعلى النحو الآخر، كلما قوى الإنسان كلما استغني وطغى واستكبر، وهذا هو عين الشقاء؛ لأن استغناؤه يجعله يتكبر ويستعلي على خلقه، بل على ربه، فيشقى بإستغناؤه.
قال تعالى {يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله}
العجلة
فالإنسان عجول بطبعه، يتمنى الشئ السريع، والمتع الوقتية واللحظية، فهو يسعى دائما ليعيش لحظته دون أن يفكر في مستقبله، والذي يعد التفكير فيه هو عين الكمال والرجحان بالنسبة للعقل.
لذا يقول صلى الله عليه وسلم {الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.}
الهلع
والهلع معناه كما فسره قول الله تعالى {إذا مسه الشر جزوعا (.) وإذا مسه الخير منوعا}
ورغم أن الهلع والعجلة صفتان نقص في الإنسان، إلا أنهما في الحقيقة عين الكمال.
كيف لا.
فطبيعة خلق الإنسان عجولا يجعله أقرب ما يكون من ربه؛ لأنه كلما كان عجولا، كلما كان أسرع في الإنقياد لربه كلما ذل، وكلما كان هلوعا كلما كان أسرع إلى التوبة إذا أخطأ، وكلما كان أحرص على مصلحته، فالحرص في حد ذاته يرفع من قدره ومكانته عند الله.
ولذا يقول صلى الله عليه وسلم “أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز”
حاصل ذلك: الضعف والهلع والعجلة ثلاث نقاط ضعف في الإنسان، لذا فالمسلم يحتاج إلى مولى، يحتاج لمن يتولى أمره ويقوم على رعايته وعنايته.
ورغم أن تلك الصفات تظهر بعين النقص إلا أنها هى عين الكمال بالنسبة له، ولكن يمكن الجمع بين كونهم نقاط قوى وضعف في نفس للوقت، بأن نقول أنها نقاط قوة إذا ما أحسن المرء استغلالها واستخدمها في القرب من ربه وطاعته، ووظفها توظيفا سليما، فإذا ما أساء استغلالها صارت نقاط ضعف ودمرت صاحبها.
اقرأ أيضا: كيف تختاري حضانة طفلك؟
من هم أولياء الله الصالحين
1/هم عباد الله الذين اختصهم بالفضل والرحمة، واختارهم لخدمة دينه، ومن عليهم بمحبته.
كيف لا!
“فالجزاء من جنس العمل”
فلأنهم تقربوا من الله قربهم إليه، ولأنهم أحبوا االله أحبهم، فكانت النتيجة أنه ميزهم عن بقية خلقه برفعتهم واصطفائهم وتوليهم شئؤن دينه، واستخلافهم وتمكينهم في الأرض.
2/الولي لغة : مأخوذ من الفعل “ولى” بمعنى “تبع” فيكون ولي الله هو من اتبع نهجه بإمتثال أمره واجتناب نهيه.
3/هم من امتن الله عليهم بالبشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، في الحياة الدنيا بنفي الخوف والحزن عنهم، وفي الآخرة بالمغفرة والرحمة والسعادة الأبدية.
قال تعالى “ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون”
وقال أيضا “لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة”
مقام الولاية منحة أم كسب
مقام الولاية لا يكون إلا بالتقوى والإيمان والعمل الصالح، فالولاية لا تأتي بالتوارث كما يعتقد البعض، ولكن قد يكون مقام الولاية شئ يسبق عمل العبد، بمعنى أن يوفق الله عبده للعمل الصالح والسلوك السوي ليصطفيه، ويجعله من صفوة أولياءه، وقد يكون مقام الولاية نتاج لطول عمل واستقامة وجهاد نفس شديد.
صفات وعلامات أولياء الله الصالحين
1/الإشتغال بالعلم الشرعي، وقلت العلم دون العمل؛ لأن العلم أساس العمل، والعمل ما هو إلا تابع ونتيجة مثمرة له.
فقد قال تعالى{فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك}
فقد أمر الله بالعلم قبل العمل.
والعلم لا يأتي إلا بالتعلم.
روى الطبري عن معاوية {أيها الناس تعلموا، إنما العلم بالتعلم، وإنما الفقه بالتفقه، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين}
حاصل ذلك: من أراد معرفة الدين، فعليه بمجالسة أهل العلم، وسؤالهم، والإستفسار منهم عن كل صغيرة وكبيرة، وقد قال الله {فاسئلوا أهل الذكر}
وأهل الذكر هم العلماء.
وقد مدح الله العلم والعلماء بآيات وأحاديث كثيرة، منها :
{قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}
{يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}
{العلماء ورثة الأنبياء}
والمراد بالعلم الشرعي: معرفة ما يجب على المرء معرفته في أمور دينه من عبادات ومعاملات، ومن حيث ما يجب لله وما يجوز وما يستحيل في حقه.
2/محبة الله ورسوله: فمحبة الله ورسوله تعني طاعتهما في السر والعلن، فمحبة الله من علامات المؤمنين الصالحين “أولياء الله”، حيث من اتصف بذلك ذاق طعم الإيمان.
قال صلى الله عليه وسلم “ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار.”
والمراد بحب الله: الحب العقلي، الذي هو إيثار ما يرجحه العقل، وإن لم يكن محبوبا للنفس، فالمريض ينفر من الدواء بطبعه ويميل إليه بمقتضى عقله.
فالمسلم إذا علم وأدرك أن كل ما يشرعه الشارع من أمر أو نهي فيه صلاح له، لتمرن بعقله على الإنقياد ولتلذذ بذلك تلذذا عقليا.
3/إتقان الفرائض: فإن من أحب وأفضل الأعمال عند الله، هو أداء ما افترضه الله على عباده، والإكثار منها ولو على سببل التطوع أو النافلة، حتى أن إتيان الفرائض أحب من ترك المحارم.
قال صلى الله عليه وسلم “وما تقرب إلي عبدي بشئ أحب إلي مما افترضته عليه”
وقال أيضا :
“أفضل الأعمال أداء الفرائض واجتناب المحارم وأداء الواجبات أفضل من ترك المحرمات”
طبقات الأولياء
السابقون المقربون
هم من تقربوا إلى الله بأداء الفرائض وإتقانها والإكثار من النوافل والقربات، وأصحاب هذه الصفة هم أصحاب الولاية الكاملة.
أصحاب اليمين
هم من تقربوا إلى الله بأداء ما افترضه عليهم فقط، ويشمل ذلك فعل الواجبات وترك المنكرات، وهؤلاء هم أصحاب الولاية الناقصة.
*الأدلة على أن كل المؤمنين أولياء لله
قال تعالى :
{ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم}
{إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}
{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}
{إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض}.
الخلاصة
بعد أن انتهيت من هذا الموضوع أريد التنبيه على أهم النقاط الآتية :-
1/من أقوى العلامات الدالة على ولاية الله للعبد هى اشتغاله بالعلم الشرعي، الذي يدور حول معرفة العبد لخالقه، ومن ثم طاعته، ثم محبته، والتي هي من صفات المؤمنين الصالحين- أولياء الله – والحديث دال على ذلك كما سبق ذكره.
2/قدم الله العلم على العمل؛ لأن العلم هو الأساس وهو الموصل للعمل، والعمل ما هو إلا نتيجة مثمرة للعلم.
3/ولاية الله للعبد تعني نصرته لأولياءه ومعاداة أعدائهم، قال صلى الله عليه وسلم “من عادى لي وليا فقد أذنته بالحرب”.
4/الولاية ليست موروثة، فهي ليست مخصوصة بأناس معينين، ولا ببيوت مخصوصة، بل مداراها على التقوى والعمل الصالح.
5/المراد بحب الله :الحب العقلي، وهو إيثار ما يقتضي العقل رجحانه، وإن لم تشتهيه النفس أو تهواه.
[…] اقرأ أيضا: كيف تكون ولي من أولياء الله الصالحين؟ […]
[…] اقرأ أيضا: كيف تكون من أولياء الله الصالحين؟ […]