إن التصالح مع الذات لأمر ضروري وفي غاية الأهمية؛ نظرا لأنه سبب في الشعور بالراحة النفسية لدى الشخص، علاوة على أن الكثير فى غفلة عن مثل هذا المبدأ.
فالكثير يتعاملون مع أنفسهم بالتجاهل التام، بناءا على أنها عدو من أعداء الإنسان، وتحت مسمى إنكار الذات، ولا شك أن هذا مفهوم مغلوط، لأن النفس وإن كانت عدو لصاحبها إلا أنها عدو مصداقي، لها حق على صاحبها، فلا يستجيب لها بالكلية، ولا يتجاهلها بالكلية، بل يتعامل معها بإنصاف، فيسعي لما ينفعها وإن لم تطلبه، ويتجنب ما يؤذيها وإن كانت تتمناه.
والتصالح مع النفس أمر خطير وصعب، فهو ليس في مقدور أي أحد؛ لأنه له ملابسات وعوائق كثيرة، فهو لا يجيده إلا من يمتلك نور البصيرة، لذا فهو يحتاج لتدريب وممارسة حتى يصل إليه صاحبه، فيحيا في سلام تام مع نفسه ومع الآخرين ومع ربه عزوجل.
مفهوم التصالح مع الذات
التصالح مع الذات هو التعامل بتلقائية مع النفس، دون تكلف وتصنع ولا مباهاة، وهو الرضا والقناعة بما أنت عليه.
فالمتصالح مع ذاته شخص قابل لما قسمه الله له من خصائص ومزايا وكذا النواقص، ولكنه يركز على مزاياه ويعمل على تحسين عيوبه دون ملل.
طرق ووسائل التصالح مع الذات
- تقبلها كما هى بعيوبها ومميزاتها، بإيجابياتها وسلبياتها.
- عدم وضع شروط معينة لحبها ولتقديرها؛ لأن شعور المرء بقيمة نفسه هو شعور فطري، يولد به، فلا يتوقف على أمور وشروط معينة، كأن يقول الشخص لن أقدر نفسي إلا إذا قمت أو حققت العمل الفلاني؛ فهذا خطأ كبير.
- محاسبة النفس: فهو من أقوى طرق المصالحة، ألا ترى أن المحاسبة هى منبع الحب، فمن يحب إنسانا تجده دائما يحاسبه على الصغيرة قبل الكبيرة، حتى لا تحدث فجوة بينه وبين ذلك الشخص، فكذلك الإنسان مع نفسه، فكلما زاد الحب، كلما وجدت المواجهة والمحاسبة.
- الحوار الداخلي البناء : وأعني بالبناء ألا يكون هداما.
الحوار مع النفس
حوار داخلي بناء:
وهو حوار مع النفس إيجابي، يتضمن الإستماع لها، وإحتوائها، وتوجيهها نحو الصواب رغم أنفها، بتوعيتها وتزكيتها والإشتغال عليها.
حوار داخلي هدام:
وهو حوار مع النفس سلبي، يتضمن جلد للذات، والإنحراف مع خواطرها السلبية دون السيطرة عليها، ومحاولة إقناعها، فالنفس لا تقتنع، وإنما تجبر على الصواب رغم أنفها.
أهمية التصالح مع الذات
- التصالح مع النفس مفتاحا للتصالح مع الآخرين، فالذي ينطوي كثيرا على نفسه، ويجد نفسه غير قادرة على التعامل مع الآخرين على نحو سليم، هو ليس في الحقيقة لديه مشكلة في التعامل مع الآخرين، بل هو في الحقيقة لديه مشكلة في تعامله مع نفسه.
- التصالح مع النفس علامة على التصالح مع الخالق، فمن رضى عنه الله، أرضاه عن نفسه، وأرضى عنه الخلق، فإذا شعر الإنسان بتوتر علاقته مع نفسه وعدم تقديرها حق قدرها، ورغم عدم تقصيره إتجاهها، هو في الحقيقة مقصر في حق خالقه، وليس في حق نفسه.
كيف لا؟
فمن رضى عنه الله رضى عنه الكون كله، ومن سخط عنه الرب، سخط عنه الكون كله.
أضرار ترك التصالح مع الذات
- التيه والضلال، بمعني أن صاحب هذه النفس يعيش في حيرة وتيه وضلال ووحدة شديدة، ويصبح أسيرا لنفسه الأمارة بالسوء، نعم، فهى إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وإن لم تقودها للخير، قادتك نحو الشر.
- إصابة صاحبها بحالة من الإضرابات الفكرية، والتي تعرف بإسم الوساوس، التي تصيب الشخص البعيد عن ربه وعن شرع الله، كيف لا، وهي من وسائل كيد الشيطان للإنسان الضعيف، فيصبح مضطرب الفكر، مشتتا، لا يدري أين هو، وما الذي هو فيه، ومما يعاني، فيعيش في غطاء كامل عن الحقيقة.
عوائق التصالح مع الذات
- التركيز على مواطن الضعف والنقص، والرغبة في وصولها للكمال.
- جلد الذات، فكثرة محاسبة النفس بلا داعي يعرضها للجلد، فهناك الكثير من الأخطاء أو الأمور لا تستحق الوقوف عليها، بل التعامل السليم معها يتمثل في التغافل والتجاهل.
- وجود أفكار ومعتقدات خاطئة تربى الشخص ونشأ عليها، فهذه بمثابة أفكار سامة، تمثل إعاقة للشخص أثناء تصالحه مع نفسه، مما يحمله على تعليق أخطاؤه على الآخرين، وخصوصاً من تولوا تربيته كالولدين.
حقيقة النفس البشرية
إن النفس البشرية بطبيعتها تحب أن تكون قوية، ولكن حبها للقوة في حد ذاته يختلف، فهناك نفس تحب وتريد أن تقوى على من سواها، وهناك نفس تحب وتريد أن تقوى على نفسها قبل أن تقوى على من سواها، فالمؤمن قوى على نفسه بإلزامها منهج الله، وقوى على مواجهة شراسة الباطل، فالمؤمن تجتمع لديه قوتان، قوة داخلية قادرة على مواجهة نفسه، وقوة خارجية قادرة على مواجهة شراسة الباطل، ولكن الكافر، فلديه قوة واحدة فقط وهي القوة الخارجية، فهو لم يقوى على نفسه، وإنما قوى على دعوة الباطل ليواجهها.
مصطلح إنكار الذات
وهو يعني عدم رؤية النفس، وعدم حب تصدرها، أو التظاهر والفخر بها، أو التكبر والإستعلاء على الغير بمقارنة الغير بها.
فرؤية النفس هى في الحقيقة تسمى بالرياء وهو الشرك الأصغر، وهو مدخل من مداخل الشيطان، الذي يوسوس لصاحبه، فيشعره بالنقص حتى يدفعه لرؤية نفسه، فيوقعه في هذا الفخ ألا وهو الرياء.
خاتمة
وفي ختام موضوعي أريد أن أنبه على أهم وأبرز النقاط، ألا وهي :-
- لا تجعل حبك انفسك حبا مشروطا، فتقع في مستنقع التهمة والتجريح لها والتقليل من شأنها.
- النفس القوية هي من تمتلك قوتان، قوة داخلية، فهى قادرة على الإنتصار على نفسها، وقوة خارجية، فهي قادرة على مواجهة شراسة الباطل، وهذه هى نفس المؤمن.
- من معوقات التصالح مع الذات: المعتقدات الخاطئة الذي تربي الإنسان ونشأ عليها، فعليه في هذه الحالة أن يتجاهلها، وإن شاء حاربها، أو إستبدلها بالصواب وما هو واقع وحقيقي.
اقرأ أيضا: هل حقيقة أن الدنيا مصالح؟
[…] اقرأ أيضا: كل ما تريد معرفته عن التصالح مع الذات […]
[…] اقرأ أيضا: كل ما تريد معرفته عن الذات والتصالح معها […]