موقع يهتم بالمرأة العربية وعواطفها وتحدياتها وأحلامها وشريك حياتها

شارفت على الأربعين

0 2٬103

أنهيتُ عامي التاسعَ والثلاثين، ودخلتُ بخطى ثابتة إلى عامي الأربعين، ضجَّت حياتي بالكثير.. تألمتُ وعانيتُ وفرحتُ.

سمعتُ دقات قلبي وهي تعلو، تارةً بالخوف وتارةً بالحب، وتوقَّف قلبي عن النبض داخل صدري لأيامٍ من شدة الحزن.

فقدتُ ما لم أكُن أتخيل فقدانه يومًا ما، وامتلكتُ ما لم أكُن أتخيَّل امتلاكه يومًا ما، فرحت بشدة، وحزنت بشدة، وكل ما شعرتُ به من مُرٍّ أو حُلوٍ قد مَرَّ.

فإذا كانت السنوات تؤكِّد لي مرورها كل يوم، فها أنا ذا أؤكِّد لها أن الزمن لم يمر وأنني ما زلت أحتفظُ في قلبي بجزء من براءته.

مَرَّت السنوات على عقلي فأضفت عليه حكمةَ التجارِب، ومرَّت على وجهي فأعطته دليلًا على عمري، لكنها مرَّت على قلبي مرورَ الكرام، مرورًا هينًا لينًا.

في عشريناتي تجاوزت الكثير، كنت أشاهد العالم بعقل طفلةٍ لا تقوَى على اتخاذ القرارات، رأيتُ الدنيا حولي تتحوَّل من «يوتوبيا» التخيل إلى «دوستوبيا» الواقع.

وفي ثلاثيناتي، كانت هناك كثيرٌ من صدماتي: صدمتي في البشر من حولي، وصدمتي في تلك الحياة التي لم تعُد كما كنت أراها أو أظنها، بل وصدمتي في نفسي، في تفكيري القاصر، وحربي مع نفسي، ومواجهة ذاتي بما في داخلي، ورؤيتي كثيرًا من البشر بشكل مختلف.

كثيرًا ما كنتُ أراقبُ نفسي وأنا أتصرَّفُ، فلا أدري إن كانت هذه هي المرآة التي أرغب أن أكونها، أم هي شبحًا لتراكمات الماضي التي لم يكُن لي فيها ذنب.

لم يعُد يهمني أفعالك، بل أصبح يعنيني – في المقام الأول ويكاد يكون الأوحد – أفعالي.. سأفعل ما يتوافق مع ذاتي، سأحيا بطريقتي، لن أنساق معك في أزقَّة يطرأ عليها صدأ ذكرياتك لأعاني معك، بل الآن أنا أرى ذاتي وتصرفاتها، لم يعُد لديَّ الوقت لمحاسبتك؛ فأنا مشغولة بمحاسبتي، لم يعُد لديَّ وقتٌ لأضيِّعه في الهراء؛ فهذه الأيام هي عمري ولن أسمح لك – كآخَر أو كمجتمع – أن تفرض عليَّ سلبياتك.

أربعون عامًا، رقم كبير، أحتفلُ كل عام بمرور عام، وأُشعل الشموع بفرحة وكأنها سنة ستأتي، وفجأة وجدت أنها سنة تمر وتنتهي.

قد لا أمتلك في جعبتي النصائح الذهبية التي يمكن أن أقدِّمها لأحد، لكني توصلت فقط إلى أنني إنسان، وكما للإنسان أن يصيب، فأيضًا يمكن أن يُخطئ، وفي الواقع جميعنا، ودون استثناء، نعزف على أوتار الخطأ.

عندما اقتربتُ من كوني امرأة أربعينية أصبحت:

* لا أنبهرُ بالناس.

* لا أريد أن ينبهرَ الناسُ بي.

* توقفتُ عن خوضِ كثيرٍ من الحروب مع نفسي؛ فقد نضجتُ لأختار معاركي جيدًا.

عندما اقتربتُ من الأربعين تحررتُ من سجوني العتيقة الخفية:

* تحررتُ من خوفي من مرور السنوات، فلم يعُد يزعجني مرورها، بل أصبح يشغلني فقط أن أحيا تلك السنوات بكل ما فيها.

* تحررتُ من كلام الناس، ونظراتهم، وأحكامهم؛ لم أعُد أحزن، بل أصبحت أبتسمُ وأنا أستمع إلى إطلاقهم أحكامًا ليست لها علاقة بمضموني، فلا أبالي.

* تحررتُ من كثيرٍ ممَّا وجدنا عليه آباءنا وأجدادنا؛ فأنا المرأة التي كرَّمها الرحمنُ، وليست المرأةَ المختزلةَ في عقول البعض.

* تحررتُ من أيِّ نَهَمٍ وراء امتلاك الأشياء؛ فالتخلي عن الشيء يتساوى مع امتلاكه.

* تحررتُ من كل ما يؤذي نفسيتي، من قولٍ أو فعلٍ أو بشر.

التحرُّرُ من دائرةِ أمانك أشبهُ بخروجِ يرقةٍ من شرنقتها؛ قد يكون مؤلمًا، لكنه بداية أن تحيا حياتك.

عندما اقتربت من الأربعين:

* لم يعُد عُودي ضعيفًا يهتز مع الريح.

* لم أعُد خفيفة الرأي بشكل مندفع حتى ولو كان صريحًا.

* لم تعُد روحي هشَّة تخترقها بعض كلمات الآخر.

* لم أعُد ألوم الناس، ولم أعُد قعيدةَ حزني لأيام.

في الأربعين أتلمَّس الأعذار، وأجلس في بيتي بالأيام، وأفكر في عمق الأفكار.

أصبحتُ لا أرغب سوى في قوتي النفسية التي أُكمل بها الطريق، ولا أريد سوى الحصانة الربَّانية التي هي كل شيء.

الآن، لم أعُد أحبُّ أسرتي وعائلتي وأصدقائي فحسب، لكني أصبحتُ أحبُّ ذاتي كلَّ الحب، ما جعلني أشعرُ بحبي لهم أكثر وحب العالم أجمع.

اشتري الآن كتاب ألم ألوان

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.