إن معرفة الله هي أساس النجاح في شتى ضروب الحياة، لا سيما ذلك فقط، بل هي سبب للفوز والسعادة والفلاح في الدارين.
ومعرفة الله لها طرق وأساليب عدة، لا تقتصر على واحدة منها فقط، وجميعها تتناسب مع طبيعة النفس البشرية، حتى يتمكن الجميع من معرفته جل وعلا، ولئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
طرق معرفة الله
الفطرة
فالإنسان بفطرته منذ ولادته جبل على معرفة الله وحبه، فهو بطبيعته يبحث عن خالقه دائما، لأنه الفطرة تقتضي أن لكل مخلوق خالق، ولكن إذا تلوثت فطرته، ضاع وخسر، وغالبا من يلعب هذا الدور في حياة كل منا هما الوالدين، كما جاء في الحديث النبوي “ما من مولود إلا ويولدعلى الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه”
العقل
إن من طرق معرفة الله تعالى هو العقل، وذلك عن طريق ما يعرف بالتأمل والتفكر في الكون، بكل ما فيه من سماء، وما أودع فيها من نظام فلكي بديع خارق، لا يستطيع أحد معرفة أسراره إلا خالقه، جل في علاه، كيف لا، فهو من صنعه وتكوينه، وأي صنعة هذه، إنها صنعة متقنة محكمة، قال تعالى “صنع الله الذي أتقن كل شئ”.
وبالتأمل في الأرض وما أودع فيها من معادن، ومياه، وكنوز، وتربة صالحة لإنبات الزرع والثمار، وما عليها من جبال وصخور، وما شق فيها من بحار وأنهار ومحيطات، ليس هذا فحسب، بل بالتأمل في نفس الإنسان، قال تعالى “وفي أنفسكم أفلا تبصرون”.
حيث أودع الله بداخله بلايين الخلايا، التي تعمل في نظام تام، والتي هي قادرة على القيام بمجموعة من الوظائف الحيوية، التي تضمن سلامة الإنسان، وتحافظ على بقاؤه حيا، لتسمر عجلة الحياة ويحيا ويقوم بدوره ويؤدي رسالته في الحياة الدنيا.
القلب
ومعرفته لله تكون بحبه والخوف منه، ليس هذا فقط، بل إفراده بالحب والخوف والرجاء والإستعانة والإستغاثة، والمراقبة، والاخلاص، وما إلى ذلك.
الحس
والمراد بالحس “المشاهدة “ومعرفة الله عن طريق الحس أو المشاهدة تكون من خلال ما نسمعه ونشاهده من إجابة الداعيين، وغوث المكروبين، وإنجاء المستغيثين، وما إلى ذلك، ليس هذا فحسب، بل ما سمعنا عنه من معجزات وآيات مؤيدة لنبوة الأنبياء والمرسلين، ورغم أنها أمور خارقة للعادة، إلا أنها دالة على وجود رب حكيم عليم، خالقها وخالق للكون كله ومدبر لشئونه.
الفهم الصحيح للإلتزام وللدين
جاء الإسلام لهداية الناس وإخراجهم من ظلمات الجهل إلى نور الهدى والرشاد، وذلك بما يتفق مع مصالحهم، وما يناسبهم. فأوامر الشرع جاءت منوطة بالحكمة الإلهية، ومدار الحكمة الإلهية هو تحقيق المصالح المشروعة للعباد.
وبالبعد عن منهج الله يتيه الفرد ويصبح أسيرا لهواه، الذي لطالما اتبعه فقد ضل الطريق.
أي طريق نتكلم عنه!
إنه طريق الله، طريق الله المستقيم، والطريق المستقيم هو طريق الذين أنعم الله عليهم.
ومن الذين أنعم الله عليهم!
إنهم هم النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
وطريق هؤلاء هو طريق الدعوة إلى الله، وإلى دين الله بالحسنى والموعظة الحسنة.
وسمي طريق الله بالطريق المستقيم؛ لأنه يورث إستقامة المرء على طاعة الله، والتي سرعان ما تورث جلب نفع له أو دفع ضر عنه.
وديننا الإسلامي دينا سمحا، يدعو للحرية، ويتماشى مع مصلحة الإنسان وما يناسبه، أولا يكون أحرى بإتباعه، وهو دينا سمحا، يرفض التعنف والتشدد، فهو دينا وسطيا. فقد جاء في الحديث النبوي “ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه”.
قد يزعم الإنسان أنه ملتزما، ومطيعا لله ولرسوله، وسائرا على الطريق المستقيم وهو سيئ الخلق أو يمارس عادة سيئة أو يرتكب كبائر المعاصي أو بعيدا عن منهج الله من صلاة وصيام وزكاة وصدقة وقرآن وذكر ومناجاة ودعاء.
نعم!
فالدين جزء لا يتجزأ.
التصالح مع الله
وهو يتحقق بمحاسبة النفس على كل ما مضى من عمر الإنسان، ولا تبالغ في المحاسبة فتقع في مستنقع التأنيب وجلد الذات، والذي غالبا ما يوقعك في فخ اليأس، الذي هو إحدى وسائل كيد الشيطان للإنسان.
قال تعالى “إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون”
إختيار الوقت المناسب لأداء الطاعة
ضع الطاعات هدفا أمام عينيك، واخترالوقت المناسب لممارستها، وذلك سعيا وراء استقبال الرسائل الربانية التي هي هبة من الله للعبد، والتي على مدارها يتغير مسار العبد، وغالبا ما تأتي عن طريق كتاب الله سواء سماعا أو قراءة، وعن طريق التأسي بسنة رسول الله صلى الله عليه.
أضف إلى ذلك أن هناك قاعدة تقول “اعرف الله في الرخاء يعرفك في الشدة”
بمعنى أن كل ما عليك أن تقدم الخير أينما كنت، ومتى استطعت، طالما كان في وسعك وطاقتك، وإياك والتكاسل، فقد يتوهم البعض أنهم لا يستطيعون فعل أمر ما، وخصوصا إذا لم يكن من اعتيادهم فعله، إلا أنهم في الحقيقة متكاسلون عن أدائه.
فهناك فرق بين الكسل وبين العجز أو عدم القدرة، ويمكن التفرقة بينهم بشكل عملي عن طريق التجربة والمحاولة.
فمجرد أنك قمت بأداء المطلوب في وقت استطاعتك بما تمتلك من قوة بشرية، والتي أودعها الله بداخلك، فهو قادر على أن يمدك وقت ضعفك بقوة من عنده لأداء نفس الشئ، الذي قمت به من أجله في وقت رخاءك وسعتك، لتستمر عجلة حياتك، وتواصل عملية السير، وحتى لا تقف مكانك.
كل هذا لن يتحقق إلا إذا كان عمل المرء صالحا، ويرجو به صاحبه ابتغاء مرضاة الله.
يأتي بعد خطوة اختيار الأوقات المناسبة لأداء الأعمال الصالحة، الخطوة الثالتة.
التمرين على الطاعة بإتباع سنة التدريج
فالطاعة في البداية تكون ثقيلة على النفس، ولكن سرعان ما تسهل ويألفها العبد إذا ما تمرن عليها شيئا فشيئا، ومعنى تمرن عليها، أنه يحاول كثيرا، ومهما فشلت المحاولة لا يعجز ولا يستسلم، فكل نجاح لابد أن يسبقه فشل، ولا يسمح لأي مخلوق أن يعجزه، وخصوصا الشيطان، فالشيطان كثير العداوة للإنسان، لدرجة أنه يفتح للإنسان تسعة وتسعون بابا من الخير ليوقعه في الشر في الباب المائة.
ولن يأتي التمرن الصحيح على أي شئ وخصوصا الطاعة التي نحن بصددها إلا إذا اتبعنا سياسة التدريج، وهي قبل أن تكون سياسة بشرية، فهي سياسة إلهية.
كيف لا.
وهي سياسة جاءت على وفقها التكاليف الشرعية، وظهرت نجاحها في مدى سرعة استجابة العباد لها، وذلك لأنها جاءت تتناسب مع فطرة الإنسان.
التوبة
وهي تعني كثرة الاستغفار والرجوع إلى الله كلما أخطئت وأذنبت أو تعطل تيار حياتك، فكل شئ يعطل حياة الإنسان هو في الحقيقة من صنعه وفعله، وكل شئ يرفع صاحبه ويدفعه للأمام هو في الحقيقة من صنع الله.
قال تعالى “ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك”
الدعاء
فالدعاء يغير القدر، كما يعرف الكثير، إلا أننا نغفل عن أنه أعظم قدرا من ذلك، فالدعاء مخ العبادة، وهناك حديث نبوي يقول”من لم يسأل الرب غضب عليه”.
ولما كان الدعاء بهذه المنزلة، فحاشاه سبحانه وتعالى أن يرد يد رفعت لمناجاته أو لسؤاله، فالله لا يرد سؤال عبده له، فكل الدعاء مستجاب!
نعم. كل الدعاء مستجاب، إلا أن صور إستجابةالدعاء مختلفة، وصدق الله حين قال “وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ”
صور إستجابةالدعاء
- إما أن يحقق الله لك دعوتك في الدنيا.
- إما أن يدفعك عنك بها شر قادم عليك.
- إما أن يدخرها لك في الآخرة.
وهذه الأخيرة هى أفضل مراتب إستجابة الدعاء، من وجهة نظري، فالدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضه، ولو كانت غير ذلك لما سقى كافر منها شربة ماء، والآخرة خير وأبقى للذين اتقوا.
حسن الخلق
فلا إيمان بلا خلق وأعني بالخلق، الخلق الحسن، والخلق نوعان، خلق ظاهر، وخلق باطن، لا يطلع عليه إلا الله، وعليه تقوم وتبنى العلاقة مع الله، ومنه إخلاص العمل لله وهو يعني إبتغاء مرضاة الله من وراء عمله، وليس إرضاءا للخلق، سعيا وراء الشهرة والسمعة والتشفي لحطوظ النفس، فيكون قد وقع في فخ الرياء، الذي هو محبط للعمل، والذي سماه الإسلام بالشرك الأصغر، ونحن نعلم، أن كل المعاصي مغفورة بإذن الله إلا معصية الشرك بالله.
قال تعالى “إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر لما دون ذلك لمن يشاء”.
ومن ذلك الأخلاق الباطنة، التي تقوم وتبنى عليها العلاقة مع الله خلق المراقبة لله، وهى أن تجعل الله رقيبك في كل شئ، وأن تضعه نصب عينيك، وأن تعلم أنه مطلع على كل صغيرة وكبيرة، ولن تتحقق المراقبة إلا بالخلق الباطن الثالث ألا وهو الإحسان، وهو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ”
ومن الأخلاق الباطنة أيضا، خلق احتساب الأجر، فمن لا يحتسب الأجر والثواب عند الله، قد لا ينال من الثواب إلا قليل. ومنه أيضا خلق الحياء، وصدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال في الحديث النبوي” إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ”
والحياء يدور حول ضروريات خمس:
هما العقل، والنفس، والمال، والعرض والدين، متى تم الحفاظ عليهما فقد تحقق الحياء من الله.
أما حفظ العقل: فيكون بإستعماله في الخير وفي طلب العلم وفي العمل النافع والصالح للبشرية أجمعين، والبعد عن استعماله في الخيالات والأراجيف الفاسدة والوهمية، وبعدم التمادي مع الوساوس والخواطر السلبية والتي من شأنها تدمير صاحبها، وإلقاؤه في التهلكة.
وأما حفظ النفس، فيكون بمنع الإعتداء عليها سواء كان الإعتداء معنويا كظلمها بتحميلها فوق طاقتها، أو اعتداء حسيا، كما يحدث مع البعض غير الإسوياء من قتل أنفسهم، والذي يسمى بالإنتحار، أو من قتل بعضهم بعضا، كما نشاهد من جرائم، والتي سرعان ما يلقى صاحبه عقابه، حتى يكون عبرة لمن يعتبر، وزجرا وردعا لكل من تسول له نفسه فعل مثل صنيعه السيئ هذا.
وأما حفظ المال، فيكون بإنفاقه في وجوه مشروعه، والتصدق بجزء منه في سبيل الله.
وصدق الله حين قال “لن تنالوا البر حتى تتفقوا مما تحبون” ولا شك أن من أحب الأشياء إلى الإنسان هو المال، ويقاس عليه غيره من المحبوبات.
وأما حفظ العرض، فيكون بمنع الضرر الأدبي الواقع على البعض، من خلال عقوبات زاجرة، وقبل العقوبات يكون بدفاع المرء عن نفسه، بشرط أن يدافع بقدر ما يدفع الضرر عنه، حيث قال الله” ولا تعتدوا”.
ودفاع المرء عن نفسه ولو كان فيه رد للاساءة، قد أحله الله في حالة واحدة، وهي في حالة إذا ما وقع الظلم على نفسه، فحينئذ أبيح له ارتكاب المحظور دفاعا عن نفسه، ولكن من غير زيادة ولا اعتداء.
قال تعالى “لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم”.
وفي الحديث النبوي “جاء رجل إلى النبي يقول له، أرأيت يا رسول الله، إن جاء رجل يريد أخذ مالي، قال: لا تعطه مالك، قال له: أرأيت إن قاتلني، قال صلى الله عليه وسلم :قاتله، قال الرجل: أرأيت إن قتلني قال صلى الله عليه: هو في النار، قال الرجل: أرأيت إن قتلته، قال صلى الله عليه وسلم: أنت شهيد.”
وفي هذا الموضع يقول صلى الله عليه وسلم” من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد، ومن قتل دون نفسه فهو شهيد.”
وأما حفظ الدين، فهو موضوعنا هذا.
ومن أهم وآخر الأخلاق الباطنة هو خلق التقوى، وهو يكون أحيانا بترك الحلال مخافة الوقوع في الحرام، والذي يسمى بترك الشبهات، والشبهات هي الأشياء التي يشتبه فيها الحلال بالحرام.
الصدقة والإنفاق في سبيل الله
والإنفاق في سبيل الله ليس حتما أن يكون إنفاقا بالمال، فأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، والكلمة الطيبة صدقة.
الخلاصة
بعد أن انتهيت فى الكلام عن هذا الموضوع، أريدالتنبيه على أهم وأبرز النقاط.
إذا أردت أن تعرف الله فعليك بالآتي:
1/إتباع نهجه، والأقتداء بالدعاة ورجال الدين، والإستفسار منهم عن كل صغيرة وكبيرة، وسماع دروسهم الدينية فهي غالبا التي تجدد الإيمان في القلب.
2/إتباع سنة التدريج، فهي غالبا ما تورث الثبات على الشئ، وتقلل من فقده وخسرانه،وكما نعرف ما يأتي بسهوله يرحل بسهولة.
3/العناية بالضرورات الخمس، والحرص على الحفاظ عليها، وهما النفس،والمال والعرض والعقل والدين.
4/التنبيه على مدى أهمية الدعاء، فمن لم يسأل الله غضب عليه، مع مراعاة أن كل الدعاء مستجاب.
5/الخلق الباطن هو أساس الخلق الظاهر، فالخلق الباطن ينظم علاقة المرء مع خالقه، والخلق الظاهر ينظم علاقة المرء مع ما حوله من البشر، لذا كان التصالح مع الله المبني على الخلق الباطن هو أساس التصالح مع الآخرين، وكما جاء في الحديث “من أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله ما بينه وبين الناس”
6/الصدقة لها أوجه وصور كثيرة ولا يشترط أن تكون بالمال، بل أمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة وكلمة طيبة صدقة.
7/ضرورة الدفاع عن النفس في حالة إيقاع الظلم عنها. قال تعالى “لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. ”
اقرأ أيضا: الماء أساس الحياة
[…] اقرأ أيضا: طرق معرفة الله سبحانه وتعالى […]